تقرير عن دورة تدريبية في تحقيق مخطوطات كتب الحديث النبوي الشريف وعلومه والتراجم انعقدت برحاب مؤسسة دار الحديث الحسنية من 2 إلى 7 جمادى الأولى 1435 / 3 إلى 8 مارس 2014

magazine slogan

إعداد اللجنة التنظيمة
إشراف د. عزيز الخطيب

ديباجة

إذا صحّ اليوم ما يتردد في أوساط العلم أن احترام التخصص العلمي مما يتوجب الالتزام به، فإن ميدان علم التحقيق قديما وحديثا تجتمع عنده جميع التخصصات، ويفزع إليه معظم العلماء، وذلك لارتباط التحقيق بالتراث، وارتباط التراث بجميع العلوم، ناهيك به من علم نحن اليوم من أحوج ما نكون إليه – طلابا وباحثين- لأنه:
- يُمكِّن من تعلُّم الضبط والتدقيق والتوثيق، والأمانة، وذلك في ظل سطو الكثيرين على ما تختزنه الأجهزة الإلكترونية، أو النقل من رسائل جامعية وكتب مطبوعة واعتمادها دون ذكرها والإحالة عليها، مما يعد خيانة للأمانة.
- وينمّي في الباحثين الحسّ النقديّ الذي يمكّنهم من فحص النصوص وإخضاعها لميزان النقد قبل التسليم بها وتبنّي أفكارها واستثمار حقائقها.
- ويصحّح النصوص ويُظهر زائفها، فالنصوص تنبني عليها أحكام، والأحكام تُنزّل على واقع الناس الفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
- ويُبيِّن الفروق بين المحقق الجيد والآخر الرديء، في ظل تدليس بعض الناشرين واستخفافهم بعقول مَن يعتمد في أبحاثه على تلك الأجهزة يوم يضطر لشراء كتاب، لبعد صلته بالكتاب الجيد.
- ويمكّنه من أن الأخذ من كتاب كذا وكذا في علم كذا مما قد يُكتفى به لأصالته وعلو كعبه، وهاهو أحد صلحاء عصرِ المقّري وعلمائه يكتفي بمطالعة (مشارق الأنوار) قائلا: «لا أحتاج في كتب الحديث إلا المشارق، فإذا كان عندي فلا أبالي بما فقدت منها».
- ويبتليه بالتهمم بالجودة وتربية الذات المسؤولة عوض التهمم بالشهادة العلمية والترقي في السلالم العلمية والإدارية، غير آبه بأحكامه الصادرة عن نص غير موثوق به.
وهكذا هي حال كثيرٍ من بحوث نَاسِ اليوم.
أما لماذا تضطلع مؤسسة دار الحديث الحسنية اليوم بهذا الفن من جهة الاحتضان المؤسساتي المنظم فلأنها دار حديث بدرجة أولى كما يدل على ذلك اسمها ووظيفتها، والحديث وعلومه من أصرح المعارف ارتباطا بعلم التحقيق، وأشدّه صلة به كما قرره العلماء قديما وحديثا.
فلما وجدت المؤسسةُ نفسها تؤمن بالشراكة العلمية المؤسساتية المنفتحة التفتت شرقا وغربا فلقيت مؤسسة الفرقان رائدة في مجال التراث عموما وعلم التحقيق خصوصا؛ توثيقا، وصيانة، وفهرسة، وتشجيعا للباحثين في تحقيقه ودراسته ونشره، فآثرت أن تستفيد وتفيد، آملة أن تكون هذه الدورة فاتحة تعاون علمي مثمر بينهما خصوصا في مجال التأطير والتكوين العلمي.
وبتوفيق من الله تعالى احتضنت مؤسسة دار الحديث الحسنية بتنسيق مع مركز دراسة المخطوطات الإسلامية التابع لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي هذه الدورة التدريبية في تحقيق مخطوطات الحديث وعلومه والتراجم.
وقد شرُف بتأطيرها نخبة من أساتذة هذا العلم من المغرب ومن خارجه، فغطّت محاضرات السادة الأساتذة الجانب النظري الذي يهدف تلقين قواعد هذا العلم للباحثين، وبيان المشكلات والصعوبات التي يمكن أن تعترضهم أثناء التحقيق عامة، وتحقيق كتب الحديث والتراجم خاصة. بينما شهدت قاعات مكتبة مؤسسة دار الحديث الحسنية مجموعة من الورشات التدريبية غطت خلالها الجانب التطبيقي وتدريب المشاركين على صناعة الهوامش والتعليقات والكشافات...
وفيما يلي أشغال هذه الدورة:
اليوم الأول : الإثنين 3 مارس 2014
الجلسة الافتتاحية
رحّب الأستاذ الدكتور أحمد الخمليشي مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية بجميع المشاركين في هذه الدورة، وبالسادة الأساتذة المحاضرين القائمين على تكوين المشاركين، ثم تطرق إلى أهمية الاهتمام بالتراث المخطوط، وحثّ المشاركين على ضرورة الاعتناء بهذا التراث دراسة وتحقيقا، وأكد على أن مؤسسة دار الحديث تحرص على توجيه عناية طلبتها إلى هذا المجال، لأن الرجوع إلى التراث الذي يمثل الأصل هو الكفيل بضمان التكوين الرصين الذي تريده المؤسسة لطلبتها.
ثم أخذ الكلمة الدكتور صالح شهسيواري مدير مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، فرحب بدوره بالمشاركين طلبة وأساتذة، وبالمحاضرين من داخل المغرب وخارجه، وبيّن أهمية هذه الدورات للطلبة والأساتذة على حد سواء، وركز على ضرورة توجيه العناية إلى التحقيق، واستفراغ الوسع في سبيل تحصيل الآليات المساعدة على إتقانه، وأشار إلى أن كل جهود مؤسسة الفرقان تنصب على تحقيق هذه الغاية.
المحاضرات
محاضرة أ.د. محمد بنشريفة
﴿القاضي عياض مؤسس قواعد تحقيق كتب الحديث والتراجم في المغرب﴾
قدم فيها نبذة عن حياة القاضي عياض وعصره وتآليفه، لينتقل إلى إبراز جهود القاضي عياض في التحقيق، حيث اعتبر كتابه مشارق الأنوار في صحاح الآثار أول كتاب ألفه في النقد الحديثي والتحقيق والتصحيح. وكان سبب تأليف هذا الكتاب هو ما رآه من محدثي عصره من إهمال لأصول الضبط والتحقيق.
ولم يكن قبل القاضي عياض من توسع في هذا الموضوع، ولذلك يعتبره الدكتور بنشريفة مؤسسا لعلم الكوديكولوجيا؛ لأنه سار في الضبط على الحروف الهجائية، ولم يكتفِ بالحرف الأول في الكلمة بل كان يتبعه بالحرف الثاني والثالث، ولذلك فكتاب مشارق الأنوار لا يعلى عليه في هذا الفن.
الكتاب الثاني هو كتاب إكمال المعلم، وفيه تتجلى قدرة عياض وعلمه الواسع بالحديث ورواياته، لكن أهم كتاب –في رأي المحاضر– هو كتاب الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع الذي يقع في تسعة عشر بابا كلها مخصصة لطلب الحديث.
أما بالنسبة لعلم التراجم، فيعتبر كتاب ترتيب المدارك أول ما ألف في المغرب في رجال المذهب المالكي وطبقاتهم.
وفي الختام يؤكد د. بنشريفة على ضرورة قراءة كتب القاضي عياض لأنه يمثل حلقة مهمة في باب التحقيق ولا بد من الاستفادة من منهجه في هذا الباب.
محاضرة أ. د. أحمد شوقي بنبين
﴿التحقيق : صعوباته ومشكلاته﴾
أكد الدكتور شوقي بنبين في بداية مداخلته على أن كل النسخ الخطية للمخطوطات في العالم فيها تحريف أو تصحيف أو إضافات... وهذا يعتبر من أكبر العوائق التي تعترض المحقق، ثم انتقل إلى الحديث عن التحقيق عند الغربيين وعند العرب حيث أوضح أن التحقيق في الغرب ظهر منذ القرن السادس عشر عندما قرر علماء اليونان في أثينا أن يجمعوا الناس على قراءة واحدةٍ لملحمتين مشهورتين وهما ملحمتا هوميروس: الإليادة والأوديسا، فكانت هذه هي البذرة الأولى لعملية التحقيق في الغرب.
وفي القرن التاسع عشر ظهرت مجموعة من العلماء الذين بدؤوا يفكرون في كيفية وصول هذا التراث اليوناني واللاتيني إليهم، وعلى رأسهم العالم الألماني "لاخ مان" الذي توصل إلى أن معظم النسخ التي كتبت في العصر الوسيط كانت مزيفة، فأخذ نموذجين هما: الكتاب المقدس وكتاب الطبيعة ليوغريس ليطبق عليهما منهجا علميا جديدا يسمى بعلم المخطوط أو تاريخ النص أو الكوديكولوجيا.
أما بالنسبة للتحقيق عند العرب فقد بدأ منذ زمن النبوة، لكن الاهتمام به نجده جليا عند المحدثين الذين وضعوا لنا قواعد التحقيق العلمي الرصين وخاصة اليونيني الذي يمثل البذور الأولى للتحقيق العلمي عند العرب المسلمين.
محاضرة أ.د. الشاهد البوشيخي
﴿نحو رؤية شاملة ومتكاملة في خدمة التراث العربي الإسلامي﴾
تطرق الدكتور الشاهد البوشيخي في مداخلته إلى سبع نقط:
    1.  مقدمة في السياق التاريخي لهذه الرؤية أبرز فيها أن الظرف الذي تعيشه الأمة الآن هو ظرف ابتعاد عن التراث، واشتغال بالآنيات عن المآلات والكليات التي تنتظر الأمة والتي ينبغي أن يستعد لها أبناء الأمة.
    2.  شرح الدكتور في هذه النقطة ألفاظ العنوان مبرزا أن هناك تصورا عاما يشمل كل جوانب خدمة التراث سواء تعلق الأمر بالفهرسة أو بالتوثيق أو بالتحقيق أو بالتكشيف أو ما يتصل بالرقمنة.
    3.  تحدث في النقطة الثالثة عن منطلقات هذه الرؤية فحصرها في ثلاثة، الأول: أن التراث هو الذات، المنطلق الثاني: أن أثمن ما في التراث هو الوحي، فيجب أن تكون عنايتنا بالوحي وما يرتبط به قبل أي شيء آخر. المنطلق الثالث: لا بد لتجديد بناء التراث من توظيف التراث، فالاستغناء عن التراث متعذر.
    4.  تحدث في النقطة الرابعة عن أهداف الخدمة في هذه الرؤية فحصرها في ثلاثة: الأول: حل معضلة النص، والثاني: حل معضلة المصطلح، والثالث: حل معضلة المنهج.
    5.  حصر في النقطة الخامسة مراحل الخدمة في هذه الرؤية، حيث ركز على مرحلة إعداد النص ورقمنته، ثم مرحلة الانشغال بالمصطلح.
    6.  تحـدث في النقطة الـسادسة عـن شروط الخـدمة فـي هذه الرؤية، فخلص إلى أن جميع الجهود التي تنظر لهذه الرؤية ينبغي أن تكون جهودا علمية منضبطة بشروط منهجية في المراحل، تكاملية في السير، سواء بين الأفراد أو بين المؤسسات.
    7.    وختم بالنقطة السابعة مؤكدا ضرورة التعاون بين أهل العلم وأهل الحاسوب وأهل المال في هذه الأمة.
اليوم الثاني: الثلاثاء 4 مارس 2014
محاضرة أ. د.قاسم السامرائي
﴿التحقيق النقدي لكتب المشيخات ومشكلاته ، مشيخة ابن العاقولي نموذجا﴾
اعتبر الدكتور قاسم السامرائي علم المشيخات من أهم علوم الحديث والرجال وأوثقها في إثبات صحة نسبة النصوص إلى مؤلفيها. وقد حاول الدكتور قاسم رصد التطورات التي عرفها هذا العلم، وربط بينه وبين تطور علوم السنة عموما . غير أن القرنين الخامس والسادس يمثلان مرحلة الذروة التي بلغها علم المشيخات، بحيث لا تجد عالما أو حافظا من حفاظ هذين القرنين إلا وله فيه مصنف خاص، كمعجم الشيوخ لمحمد بن أحمد الصيداوي (402ﻫ) ومعجم الشيوخ لأبي ذر الهزوي(434ﻫ) ومعجم شيوخ عبد العزيز بن محمد النخشبي(456ﻫ)، وفي القرن السادس مشيخة أبي عبد الله الرازي(525ﻫ)، وكتاب الغنية للقاضي عياض(544ﻫ)، وفهرس عبد الحق بن عطية(541ﻫ)، وغيرها من المعاجم والفهارس والمشيخات التي تعكس التطور الذي بلغه هذا العلم شرقا وغربا.
وهكذا ظل علم المشيخات يتطور قرنا بعد قرن، وبرزت مناهج وأساليب متبعة في التصنيف فيه يمكن تقسيمها إلى مدارس:
    1.  مدرسة المعاجم والمشيخات التي تستهل بترجمة الشيوخ.
    2.  مدرسة المعاجم والمشيخات التي تستهل التراجم بمرويات الشيوخ ثم تعقبها بصياغة ترجمة لسيرهم.
    3.  مدرسة المعاجم والمشيخات التي اتخذت من وفيات الشيوخ أساسا في ترتيبها.
    4.  مدرسة المعاجم والمشيخات التي اقتصر فيها مؤلفوها على ذكر شيوخهم المميزين.
    5.  مدرسة المعاجم والمشيخات التي رتبت ونظمت على أساس شيوخ البلدان.
    6.  مدرسة المعاجم والفهارس المرتبة على أسماء الشيوخ أو أسماء الكتب أو جمعت بين الطريقتين.
بعد ذلك وقف الدكتور مع مشيخة ابن العاقولي غياث الدين محمد بن محمد بن عبد الله الواسطي البغدادي الذي ترجم فيها لثمانين شيخا من شيوخه الذين عاصرهم ولشيختين. وقد ترجم لشيوخ لم يعثر على ترجمة لهم في كتب الرجال المعروفة. وأكد بعد ذلك أن هذه النسخة لابن العاقولي ليست بخط المؤلف، وإنما بخط عبد الله بن حسن بن داود بن بدران البابصري، وأنها مقابلة على نسخة أخرى ولا نعرف عن النسخة الأصلية شيئا.
محاضرة د. سعيد بلعزي
﴿تحقيق كتب التراجم بين الواقع والمنهج الأمثل﴾
لاحظ المحاضر أن الساحة العلمية اليوم مليئة بالكتب والمطبوعات مما له علاقة بالتحقيق، لكن بعضها صراحة لا يسمن ولا يغني من جوع، بل إنها تدمي القلب الغيور على هذا التراث الغني. وقد عزا الباحث أسباب هذا الخلل إلى أمرين:
    1.  عدم التصور الحقيقي والكافي لهذا التراث.
    2.  عدم إعداد الباحثين والطلبة الأكفاء.
ومن هنا ارتأى الباحث ضرورة وضع شروط للمحقق، ذكر من بينها: أن يكون له ثقافة عالية واطلاع واسع خاصة في تخصصه، وأن يتقن اللغة العربية لا سيما أصول النحو العربي، بالإضافة إلى ما ذكره العلماء في كتبهم من شروط للمحقق.
بعد ذلك وقف الباحث مع كتب التراجم على اعتبار أنها موضوع مداخلته، فأكد على أن الخلل الذي يعتري الكتب الأخرى من جهة التحقيق قد زحف على كتب التراجم الذي يوجد منها كم هائل في المكتبات.
ثم تطرق الأستاذ بلعزي إلى الخطوات التي ينبغي على كل محقق أن يسلكها إذا أراد أن يكون تحقيقه موثوقا، يأتي في مقدمة تلك الخطوات:
    1.  جمع النسخ: فلا بد أن يجتهد المحقق في جمع نسخ الكتاب ليقوم بدراستها وتصنيفها حسب ما تعارف عليه أهل علم التحقيق.
    2.  المقابلة بين النسخ: وهي الخطوة التي تلي جمع النسخ وتصنيفها، وتتجلى أهميتها في الكشف عن الخطأ والتحريف والتصحيف والسقط.
    3.  تحقيق العنوان: لأن العنوان هو الهادي إلى فحوى الكتاب ومضمونه، وهو مما يتحتم على المحقق الانتباه له وتقصي تصحيحه.
    4.  تحقيق النص: وهذه الخطوة تابعة لما قبلها صلاحا وفسادا، فإذا صلحت الخطوات السابقة صلحت هذه الخطوة، والعكس بالعكس.
    5.  ضبط الأعلام: ضبط أسماء الأعلام أمر ضروري في كتب التراجم خاصة، وفي غيرها من الكتب، وهذا مما يغفله كثير من المحققين.
    6.  ضبط الشعر: يندر أن تجد كتابا في التراجم يخلو من أبيات شعرية، لذلك وجب على المحقق التنبه إلى هذا الأمر وإيلاؤه العناية القصوى.
وفي الختام أفصح الأستاذ بلعزي عن قصده من مداخلته والذي يتمثل في عرض واقع كتب التراجم المحزن والمخزي أحيانا جراء سوء الإخراج وقلة العناية، وفي تنبيه المستفيدين من هذه الدورة إلى ضرورة توجيه العناية إلى خدمة التراث وإخراجه إخراجا يليق به وبالأمة التي ينتمي إليها.
محاضرة أ. د. قاسم السامرائي
﴿تحقيق كتب التراجم : ابن رأس غنمة المؤرخ الأندلسي المجهول أنموذجا﴾
تحدث الدكتور في هذه المحاضرة عن مخطوطة نادرة في التاريخ والتراجم لمؤلف أندلسي مجهول، كان قد أهداها له أحد المستشرقين، لكنه وجد نسختين من تلك المخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط، فتعرف من خلالهما على صاحب المخطوطة، وهو ابن رأس غنمة، وبقي الإشكال في التعريف بالمؤلف لأنه لا يوجد في كتب التراجم التي رجع إليها الدكتور قاسم السامرائي.
لكنه حاول التعريف بالمؤلف من خلال بعض النقول التي وجدها عند بعض المتقدمين هنا وهناك والتي ذكرت ابن رأس غنمة عرَضا، كابن عبد الملك المراكشي في كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة.
اليوم الثالث : الأربعاء 5 مارس 2014
خصصت الحصة الصباحية لورشة تدريبية بعنوان: نماذج من نسخ خطية لكتب التراجم والطبقات والفهارس والأثبات: منهج القراءة والتحرير. وقد أطر هذه الورشة مجموعة من الأساتذة هم: عبد العالي المدبر ومحمد سعيد حنشي وخالد زهري وعبد المجيد بوكاري.
وكان الهدف من هذه الورشة تمكين المستفيدين من الاحتكاك بالمخطوط مباشرة، ومحاولة التمرس بقراءته والتعرف على بعض أنواع الخطوط، وضوابط قراءة المخطوط قراءة علمية، وكذلك تطبيق ما حصلوه من معارف نظرية في التعامل مع المخطوط وكيفية التحقيق كالمقابلة بين النسخ، وفك بعض الرموز التي نجدها في المخطوطات وما إلى ذلك.
أما الحصة المسائية فقد خصصت لمحاضرة الدكتور عبد المجيد خيالي تحدث فيها عن تاريخ الخط المغربي، وعرّف المستفيدين على الأنواع الخمسة للخط المغربي: الخط الكوفي المتمغرب، والثلث المغربي، والخط المبسوط، والخط المجوهر، وخط المسند الزمامي. ثم عرض مجموعة من الوثائق المكتوبة ببعض هذه الخطوط المغربية.
اليوم الرابع: الخميس 6 مارس 2014
محاضرة د.مصطفى الزكاف
﴿اختلاف الروايات في المخطوط الحديثي : أسبابه وأسس تحقيق نصوصه﴾
تطرق الدكتور في مداخلته إلى تحديد بعض المفاهيم المحورية؛ منها: الاختلاف والرواية والنسخة. ثم انتقل إلى عرض بعض الأسباب التي أوجبت هذا الاختلاف فحصرها فيما يلي:
    1.  طبيعة تصنيف الكتب في عصر الرواية، حيث كان معتمد السابقين في نقل السنة وضبطها على الحفظ والإتقان في الصدور.
    2.  معاودة النظر في الكتاب ومداومة التنقيح، وهذا راجع إلى عناية المصنفين بمصنفاتهم، فكانوا لا يملون من مراجعتها وتنقيحها.
    3.  تعاقب الإملاءات بتعاقب الرواة: وقد كان لهذا التعاقب أثر كبير في اختلاف الروايات وتعدد النسخ.
    4.  تفاوت الرواة في ضبط المرويات.
    5.  تعدد الإبرازات نتيجة لما دأب عليه العلماء من معاودة النظر وكثرة المراجعة.
    6.  النسخ عن المسودات.
    7.  إدخال الحواشي والتعليقات في المتون.
وللتعامل مع الاختلاف الموجود في كتب الحديث وضع المحاضر مجموعة من الأسس تتمثل في: جمع مخطوطات الكتاب كلها، وفحصها، وتتبع الروايات من أهل الاختصاص، وتوثيقها، وتصنيفها، والاطلاع على طبيعة تصنيف الكتاب ورواياته في مصادر الباب، ثم اختيار أوثق الروايات وجعلها أصلا، والاعتماد على آخر نسخة.
ثم وقف الدكتور الزكاف وقفة طويلة مع كتاب الموطأ، فذكر اختلاف رواياته وبين أشهرها، ثم عقد موازنة بين رواية محمد بن الحسن الشيباني ورواية يحيى بن يحيى الليثي. وختم محاضرته بذكر مجموعة من المقترحات التي تعين الباحث عموما في مساره العلمي.
محاضرة د. محمد ناصيري
﴿خصوصية المخطوط الحديثي ونماذج من آفات تحقيقه﴾
تناول د. ناصيري في محاضرته بعض خصوصيات المخطوط الحديثي وما يترتب على الجهل بها من آفات، ومن تلك الخصوصيات:
    1.  تشديد المحدثين في ضبط النسخ، وهذا أمر اقتضته طبيعة الدرس الحديثي الذي يتمحور على أصلين: الراوي والمروي.
    2.  خصوصية السند في المخطوط الحديثي وآفات تحقيقه: والمقصود بالسند هنا عموم الرواة الذين ينقل عن طريقهم اللفظ النبوي أو معناه.
    3.  خاصية تعدد الروايات واختلافها: وهنا يعتبر المحاضر ظاهرة الرواية للكتب أحد مميزات طلب العلم في تاريخ الأمة الإسلامية.
وقد وقف د. محمد ناصيري في بقية محاضرته مع ما وقع للموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي من اختلافات بسسب عدم اعتبار ما ذكر سابقا. ثم ختم بتنبيه من يتوجه إلى تحقيق الكتب على ضرورة التحلي بالصبر والأناة وكثرة التنقيب والمقارنة والرجوع إلى مصنفات العلماء التي تحل المعضلات.
محاضرة د.عزيز الخطيب
﴿إقامة النص عند المحدثين : المعارضة نموذجا﴾
انطلق الدكتور عزيز الخطيب في محاضرته هاته من توطئة بين فيها منطلقه الأساس، وأبرز وجه الحاجة إلى علم التحقيق بالنسبة للطلاب والأساتذة والباحثين على حد سواء، ثم شرح بعض المفاهيم الواردة في عنوان المحاضرة كمفهوم الإقامة، ومفهوم المعارضة ومفهوم النص، وخاصة عندما نربط هذه المفاهيم بمجالها التداولي الذي هو علم الحديث.
كما تحدث عن أنواع المعارضة فحصرها في ثلاثة تبعا لما تدل عليه نصوص القدامى، وهي: المعارضة بالقراءة على الشيخ وتسمى عرضا، والمعارضة بالمقابلة على النسخ، والمعارضة بالمناولة بإقرار الشيخ وتسمى عرض المناولة.
بعد ذلك وقف مع بعض مظاهر المعارضة التي تمهد للمحقق حسن التعامل مع النسخ جمعا وقراءة ومقابلة واختيارا وترتيبا، ومنها:
ـ الضبط بالنقط والشكل أو بالإهمال فيما يشكل ويشتبه.
ـ الضبط بالتخريج والإلحاق للنقص.
ـ الضبط بالتصحيح والتمريض والتضبيب.
ـ الضبط بالضرب والحك والشق والمحو.
ـ الضبط بإثبات صيغ ورموز دالة على المقابلة.
هذا وتتجلى أهمية المعارضة وقيمتها في تصحيح النص والتعرف على مختلف رواياته والتمييز بين الأصلية منها والتبعية. وتتجلى تلك الأهمية أكثر فيما للمعارضة من قيمة دينية وتاريخية وعلمية متميزة أكسبت النصوص مظهرا حضاريا متفردا تختص به نصوص الأمة الإسلامية، وهذا ما جعلها ترتقي في نظر المحاضر إلى أن تصبح نظرية علمية قائمة بذاتها في تصحيح النصوص عند علماء الإسلام.
محاضرة د.بوشتى الزفزوفي
﴿التراث الحديثي بين تحري المحدّثين وتجني المحدَثين﴾
استهل الدكتور محاضرته بتمهيد بيّن فيه بالبرهان القاطع أسبقية علماء المسلمين بعامة، والمحدثين منهم بخاصة إلى وضع أصول التحقيق، وإعمالها في ضبط النصوص، وأنه فن عربي المولد والمنبع، إسلامي المنشأ والمنزع. ثم تطرق إلى ذكر وسائل الضبط والتحري عند المحدثين فحصرها في أربع وسائل:
    1.  اشتراط الإذن في رواية الكتاب.
    2.  التشدد في أمر الإجازة والوجادة.
    3.  ترك الرواية عمن لا يصون أصوله.
    4.  كتابة الطباق أو التسميع.
ثم عرج على ذكر نماذج وأمثلة من تجني المحدَثين على التراث الحديثي والإسلامي عموما، يمكن حصرها في أربعة مظاهر:
    1.  تغيير أسماء الكتب، ككتب الصحاح والسنن والمسانيد وكتب المصطلح.
    2.  التصرف في نصوص الكتاب بالحذف والتنقيل، كما حدث مع كتاب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين للعلامة جمال الدين القاسمي، وهذا من أخطر مظاهر التشويه التي تعرض لها التراث.
    3.  السقط الفاحش كما هو حال كتاب الأحكام لمحب الدين الطبري.
    4.  الأخطاء الشنيعة، كالسقط بسبب سوء المقابلة، أو أن يقع الحذف المتعمد بسبب العجز عن قراءة النص، أو أن يقع تصحيف أو تحريف، أو أن يقلب التواريخ...
اليوم الخامس : الجمعة 7 مارس 2014
محاضرة د. بدر العمراني
﴿كيف نعالج ظاهرتي التصحيف والتحريف أثناء تحقيق كتب التراجم : قواعد ونماذج﴾
تصدى الدكتور بدر العمراني في مداخلته لبيان مفهومي التصحيف والتحريف لغة واصطلاحا، ثم ذكر أهم الأسباب التي تؤدي إلى الوقوع في التصحيف والتحريف، فذكر منها:
    1.  الجهل بأنواع الخطوط، والجهل بغريب كلام العرب، وبأسماء العرب.
    2.  الاشتباه في رسم الحروف وقربها وبعدها وخفاء الكلمة.
    3.  العجلة وعدم التأني أثناء التحقيق.
ولا يخفى ما لهذه الأسباب من نتائج وخيمة قد تؤدي إلى تغيير الحقائق التاريخية وأسماء الرجال.
بعد ذلك انتقل الدكتور بدر العمراني إلى الحديث عن بعض القواعد التي تساعد على اجتناب التصحيف والتحريف عند تحقيق كتب التراجم، ومن تلك القواعد:
    1.  التمكن قبل التصدر.
    2.  الأدب قبل العتب.
    3.  إدمان المراجعة أولى من المتابعة.
    4.  لا قياس في الأسماء.
    5.  الاستعانة أولى من الاستماتة.
    6.  الإدراك والفهم أصل في سلامة السياق.
    7.  إذا طرأ الشك فلا يقطع برأي إلا بنص أو مرجح قوي.
    8.  ليس كل مثبت يصار إليه.
    9.  القصد قبل النقد.
وفي الختام أكد المحاضر على ضرورة الاهتمام بالخط وأنواعه وتطوره عبر التاريخ، وضرورة الالتزام بالقواعد التي ذكرها، وتجنب كل ما يمكن أن يوقع في خطأ التصحيف أو التحريف.
محاضرة الدكتور قاسم السامرائي
﴿تحقيق كتب التراجم والرجال : كتاب البدر السافر وأنس المسافر
لكمال الدين الأدفوي (748هـ) أنموذجا﴾
قبل أن يشرع المحاضر في الحديث عن كتاب البدر السافر، مهد بمقدمة بين فيها أهمية علم التراجم ومحوريته بين العلوم الإسلامية، ثم بين خصوصية هذا العلم ومقتضياته وبعض المزالق والصعاب التي تعترض كل مشتغل به.
ثم انطلق يتحدث عن كتاب البدر السافر وأنس المسافر الذي يندرج ضمن كتب التراجم الخاصة التي أرخت لفترة زمنية معينة تمتد من القرن الخامس إلى القرن الثامن الهجري. وهو مصدر فريد ظل سنين عديدة دفين الخزائن، وقد رتبه مؤلفه على حروف المعجم، انتقى فيها جملة من الأعيان.
وتتجلى أهمية هذا الكتاب في كون مؤلفه جاء في حقبة تعتبر من أزهى الحقب في التأليف في كتب التراجم، وهي حقبة القرن الثامن الهجري، كما تبرز أهميته بالأساس في حفظه لتراجم جملة من الأعيان في فنون معرفية مختلفة وحفظه لمادة شعرية غزيرة لا تكاد تجدها إلا فيه.
هذا وقد اختلفت المصادر في تسمية الكتاب، فبعضها أسمته "البدر السافر في أنس المسافر" وأخرى أسمته "البدر السافر عن أنس المسافر" وثالثة أسمته "البدر السافر وتحفة المسافر" ورابـعة اكتفت بـ "أنس المسافر" فقط. وهـذا ما جعل المـحاضر يخلص إلى نتيجة مهمة، هي أن المؤلف قد أخرج الكتاب أكثر من إبرازة واحدة فتباين العنوان.
ثم عرض المحاضر منهج المؤلف في كتابه ومصادره، وقدم وصفا للنسخ التي اعتمدها في تحقيق الكتاب.
اليوم السادس: السبت 8 مارس 2014
افتتحت أشغال اليوم السادس والأخير من هذه الدورة المباركة بورشة تحت عنوان: نماذج تطبيقية من مخطوطات الحديث بالمؤسسة: التوثيق والتعليق. أطرها مجموعة من الأساتذة هم عبد العالي لمدبر، ومحمد سعيد حنشي، وخالد زهري، وعبد المجيد بوكاري.
تلتها ورشة أخرى بعنوان: نماذج من نسخ خطية لكتب التراجم والطبقات والفهارس والأثبات: منهج الترجمة، من تأطير الأساتذة: عبد العالي لمدبر، ومحمد سعيد حنشي، وعزيز الخطيب، وعبد الرحمن الهيباوي، وعبد المجيد خيالي.
وقد كان الهدف من هاتين الورشتين تمكين المستفيدين من الاحتكاك الفعلي بالمخطوط عموما وبالمخطوط الحديثي خصوصا، ومحاولة توظيف ما تلقوه من آليات ومناهج ومبادئ نظرية في التحقيق، فأسفر ذلك عن نتائج محمودة تبشر ببروز جيل جديد من المحققين الأكفاء.
وفي الفترة المسائية عقد الأساتذة المشرفون على الدورة جلسة علمية مفتوحة مع المستفيدين أجابوا فيها على أسئلتهم وإشكالاتهم وإضافاتهم واقتراحاتهم، ثم تلتها جلسة أخرى ختامية لقراءة التوصيات وتوزيع شواهد المشاركة على المستفيدين.
هذا وقد كللت هذه الدورة الدولية بنجاح مشهود بفضل الله، ثم بفضل مجهودات القائمين عليها والمنظمين لها، وقد خلفت في نفوس المشاركين فيها من داخل المغرب ومن خارجه انطباعا حسنا وذكرا محمودا.
إنجاز اللجنة المنظمة : عبدالرحيم البطيوي ، خالد ترغي ، بشرى لزعار ،
       ياسين السالمي ، ابتسام أشنافي
إشراف الأستاذ :        د. عزيز الخطيب

روابط مهمة

-

-

-

-

-

-

-

الواضحة - مجلة علمية محكّمة

الواضحة مجلة علمية محكّمة تصدر عن دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا بالرباط.

المدير المســؤول: مدير دار الحديث الحسنية أ.د   أحمد الخمليشي.

التنسيق والتحرير: د. الناجي لمين د. محمد ناصيري د. عبد المجيد محيب.

سكرتير التحريــــــر: عبد الرحيم مطر.

الناشـــــــــــــــــــــــــــر: دار الحديث الحسنية مطبعة الأمنية - الرباط.