سيـرة ذاتيــــة:
- الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي.
- أستاذ جامعي ووزير سابق من مواليد جمهورية غينيا، حصل على دكتوراه الدولة في العلوم الإسلامية من المعهد العالي لأصول الدين بجامعة الزيتونة بتونس، كما حصل على دكتوراه الفلسفة في الحقوق، تخصص أصول الفقه، من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، عمل أستاذا ووكيلا للجامعة للشؤون الخارجية والابتكارات بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، كما عمل مديرا مؤسسا للمعهد العالمي لوحدة الأمة الإسلامية بماليزيا، ومشرفا عاما على المراكز والمعاهد الإستراتيجية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. وعمل وزيرا للشؤون الدينية بجمهورية غينيا، كما عمل وزيرا للتعاون الدولي، ووزيرا للشؤون الدبلوماسية برئاسة الجمهورية، ومستشارا دبلوماسيا لفخامة رئيس جمهورية غينيا .
- له ستة وعشرون (26) كتابا مطبوعا في التربية والتعليم، واللغة، وأصول الفقه، والمالية الإسلامية، والمقاصد ، ونشر ما يزيد على خمسة وثمانين (85) بحثا علميا في مجلات علمية محكمة، وشارك فيما يزيد على مائة وعشرين (120) مؤتمرا عالميا،
عنوان المداخلة:
في الحاجة إلى العلوم الإنسانية في صناعة الاجتهاد والإفتاء
دأبت كتب الفقه والأصول والمقاصد على سرد جملة حسنة من المعارف والعلوم الأساسية التي يجب على كل من يتصدى للاجتهاد أو الإفتاء إتقانها، والتشبع منها، وتعرف تلك المعارف والعلوم بشروط الاجتهاد والإفتاء تارة، وبعلوم الاجتهاد والفتوى طورا، وبأدوات الاجتهاد والفتوى حينا.
واعتبارا بأن موضوع الاجتهاد والإفتاء يدور حول النص (خطاب التكليف =الوحي+التراث )، والواقع، والإنسان (محل التكليف+شروط التكليف) لذلك، فإن المتأمل في تلكم المعارف والعلوم يجدها معارف وعلوما تمكن المتصدّي من معرفة النص معرفة رشيدة ورشيقة، ومعارف وعلوما تمكنه من معرفة الواقع والإنسان معرفة رصينة ومتينة، مما يعني أنه يمكن تصنيف علوم وأدوات الاجتهاد والإفتاء إلى علوم ومعارف نصية، وتتمثل فيما يعرف اليوم بالمعارف والعلوم الشرعية (=معرفة اللغة العربية، علم أصول الدين، وعلم الحديث، وعلم أصول الفقه، وعلم الاختلاف =الفقه المقارن، ومعرفة المقاصد)، وإلى معارف وعلوم إنسانية لما تحظ بعد بالتنصيص والتقرير والتحرير من لدن أولئك الذين عنوا بصياغة شروطللاجتهاد والإفتاء، وذلك على الرغم من اتفاق المدونات والمصنفات القديمة على الاعتداد بالمعرفتين شرطين من شروط الاجتهاد والإفتاء .
ومن ثم، فإن هذه المداخلة الهادئة في هذه الندوة العلمية المباركة التي تنظمها مؤسسة علمية عريقة، وهي مؤسسة دار الحديث الحسنية، تروم الدعوة إلى إعادة تصنيف علوم وأدوات الاجتهاد والإفتاء تصنيفا موضوعيًا متوازنا يعتد بالعلوم والمعارف الموسومة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية علوما ومعارف أصيلة يجب على المتصدّي للاجتهاد والإفتاء في العصر الراهن إتقان مبادئها الأساسية، والتشبع من مناهجها وأدوات البحث فيها تكملة لإتقانه وتمكنه من العلوم والمعارف النصيَّة. إن مقتضى هذا التصنيف تجاوز ذلك الفصام النكد القائم ببن علوم الدين وعلوم الإنسان، وإعادة بناء المناهج والمقررات الدراسيَّة بناء يقوم على تعزي ز التكامل بين العلوم والمعارف، ويمكن المؤسسات والمراكز العلمية من إعداد جيل متوازن من العلماء والمفكرين يتقنون فهم النص المقدس (=الوحي=المثال) ويتشبعون من فهم الواقع والإنسان المخاطب بذلك النص. إن مستندنا في هذه الدعوة ما ينتهي إليه عامة الكتب والمصنفات التي تحدثت عن شروط الاجتهاد والإفتاء من الاعتداد بمعرفة الواقع شرطا من شروط الاجتهاد، ومعرفة الناس شرطا من شروط الإفتاء، ولا سبيل إلى إتقان هاتين المعرفتين والتمكن منهما إلا بالتشبع من المبادئ الأساسية التي تتكون منها هاتيكم العلوم والمعارف التي تتخذ الإنسان موضوعا للدراسة بهدف الكشف عن الظواهر والقضايا التي تؤثر فيه، وفي الواقع الذي يعيش فيه بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسيَّة والطبيعية.
نعم.. على أنه من الحري تقريره أن معارف وعلوم الاجتهاد والإفتاء التي تحوم حول النص شهدت عبر التاريخ، تطورات وتغيرات نوعية في المحتوى والمضمون، إذ بعد أن كان معظمها معارف جزئية لا تنضوي تحت علم خاص، كما هو الحال في معرفة القياس، ومعرفة العام والخاص، ومعرفة المطلق والمقيد، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، ومعرفة الإجماع، وغيرها من المعارف، فإن هذه المعارف الجزئية باتت بعد تدوين العلوم وخاصة علم أصول الفقه منضوية تحت علم أصول الفقه؛ ولهذا، فإنه ينبغي الاعتداد بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، والطبيعية أحد شروط الاجتهاد والإفتاء في عصرنا الحاضر، وذلك بحسبانها علوما تقدم تفسيرا معقولا للظواهر المحيطة بالإنسان بشتى تجلياتها وتشكلها، كما تتوافر على مناهج وأدوات بحث معينة على حسن فهم الواقع، وعلى فهم الواجب في الواقع دون تكلف .وبطييعة الحال، من نافلة القول إنه ليس مطلوبا من المتصدّي للاجتهاد والإفتاء بلوغ درجة المختصين في سائر المعارف والعلوم التي ذكرها العالمون بالأصول والمقاصد سواء لمعرفة النص أو لمعرفة الواقع ومعرفة الإنسان، وإنما يكفيه إتقان المبادئ الأساسية منها، وذلك بحسبانها كلها علوم آلات ووسائل لا علوم غايات ومقاصد، كما نبه على ذلك ابن خلدون في مقدمته .
وتأسي ساعلى هذا، فإن الأمل معقود أن تتبنى هذه الندوة هذا المشروع الفكري الهام والمهم من أجل صيرورة الاجتهاد والإفتاء وسيلة ناجعة وأداة ناصعة لتحقيق قيومية الدين على الواقع، وتسديد الحياة بتعاليم الشرع في توازن وترابط وانسجام وثبات.